الاثنين، 13 فبراير 2012

جلال عامر.. رحل الساخر فوق هموم الوطن

جلال عامر.. رحل الساخر فوق هموم الوطن

''هذه بلاد يأكل السمك الكبير فيها السمك الصغير دون أرز لكن بالقانون، ففي مصر لا يوجد (محاسبة) إلا في كلية التجارة''.. هكذا لخّص أمير الكلمة وفيلسوف الكوميديا السوداء، الراحل جلال عامر، ما تعانيه مصر عبر عقود طويلة من غياب للعدالة، أو كما يصف هو: ''العدل أساس الملك.. لكننا حولناه إلى كِريم أساس نضع فوقه المساحيق''.
عموده اليومي الذي كان يطالعنا به عبر صحيفة ''المصري اليوم'' تحت عنوان ''تخاريف'' طالما دفعنا للتبسم والضحك، ولكن مما نضحك؟!.. إنها مآسي الوطن وهمومه ومشكلاته التي جسدها كاتبنا الكبير في لوحة فنية تعبيرية ساخرة قد نتعالى معها بـ''القهقهة'' لكنها تفجر في داخلنا شحنات الغضب، فها هي الحقائق المريرة في وطننا تظهر جلية في سطور ''تخاريف'' وبدون أي ''عمليات تجميل''.
تحدث جلال عامر، الساخر فوق هموم الوطن، عن الفوضى الدستورية والقانونية في مصر، قائلاً: ''كلما أردنا عمل (طبخة) نلجأ إلى الدستور، وكلما أردنا تجهيز (قانون) نلجأ إلى كتب الطهي''. وتحدث عن المفهوم الخاطئ للديمقراطية والتناحر الدائر عقب ''خلع مبارك'' بين التيارات المختلفة؛ فقال: '' نحن ديمقراطيون جدًا.. تبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء فى السياسة والاقتصاد وتنتهي بتبادل الآراء في الأم والأب''.
كانت قضية العدالة الاجتماعية والانحياز للفقراء والمهمشين هي قضيته الرئيسية، انطلاقًا من إنسانيته أولاً ويساريته ثانيًا. يقول في إحدى عباراته: ''الحمد لله على الفقر والجدعنة، وعندما سألوني تحب الفقر أم الغنى قلت اللى تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش''.
وسخر عامر من ''حرب المال والدعاية'' التي شهدتها انتخابات مجلس الشعب الأخير، قائلاً: ''هناك فيلم بعنوان (الفقراء لا يدخلون الجنة) يجرى الآن تصوير الجزء الثاني منه بعنوان (الفقراء لا يدخلون المجلس)''.
كان كاتبنا الكبير صاحب العبارة الأشهر بشأن المرحلة الانتقالية لدى الثوار، عندما تساءل: ''هل نحن أمام مرحلة انتقالية أم مرحلة انتقامية؟!''. وانتقد المجلس العسكري في إحدى عباراته قائلاً: ''أسوأ ما فعله المجلس العسكري أنه تعامل مع الثورة على أنها هجوم معاد عليه أن يمتصه ثم يبدأ الهجوم المضاد''، وقال في موضعٍ آخر: '' بعد الثورة رفع المجلس العسكري سقف الحرية علشان لو فيه حد طويل يعرف يقف''.
توقع جلال عامر، أن يكون رئيس مصر القادم عمرو موسى، قائلاً في أحد لقاءاته التليفزيونية: ''عمرو موسى هيرضي جميع الأطراف، لكنه لا يرضيني أنا.. وأنا لا أمثل إلا نفسي''. وعبّر عامر مرارًا عن تأييده ودعمه للدكتور محمد البرادعي، واصفًا المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه ''الوحيد صاحب مشروع سياسي مستقبلي كامل.. ولكن المشكلة أن المكان ليس مكانه''.
وعقّب على انسحابه من سباق الرئاسة، قائلاً: ''تنحي عبد الناصر واعتزال الخطيب وانسحاب البرادعي.. لحظات تحتاج إلى تأمل''، وقال في عبارة شهيرة: ''إذا لم تستجيبوا لمطالب البرادعي السياسية، فعلى الأقل استجيبوا لمطالب زويل العلمية.. أم أنه موقف من (نوبل) على طريقة لعن الله حاملها''.
كان الكاتب الصحفي جلال عامر، قد أصيب بأزمة قلبية، الجمعة، بعدما شاهد اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للمجلس العسكري، والمئات من معارضيه والمطالبين بتسليم السلطة فورًا، وذلك بمنطقة بحري بالإسكندرية؛ حيث يسكن. وآخر كلمة قالها قبل إصابته: ''المصريين بيموتوا بعض''، وقد تم تداول صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر حزنه الشديد أثناء تواجده بين المتظاهرين وقت تلك الاشتباكات.
تخرج عامر في الكلية الحربية وكان أحد أبطال حرب أكتوبر، كما درس القانون والفلسفة، وأصبح واحد من أعمدة الكتابة الساخرة في مصر والوطن العربي، حتى رحيله صباح الأحد، ليتلقي محبيه وقرائه الخبر كالصاعقة، لكن عزائهم الوحيد هو أن ''الإنسان ذو المبدأ ليس إلا فكرة.. والفكرة لا تموت''.. رحل جلال عامر، وبقيت أفكاره وكتابته للأبد لن ترحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق